على مدى 3 عقود.. «ماريا ريسا» صحفية فلبينية تحارب في ساحات حرية التعبير

بالتزامن مع يوم ميلادها

على مدى 3 عقود.. «ماريا ريسا» صحفية فلبينية تحارب في ساحات حرية التعبير

على مدى أكثر من ثلاثة عقود، غرست الصحفية الفلبينية الأمريكية ماريا ريسا زهورا في الأرض القاحلة، لتكون أول صحفية بالعالم تحصد جائزة نوبل للسلام عام 2021 تكريما على جهودها في الدفاع عن حرية التعبير وحقوق الإنسان.

ولدت ماريا ريسا في 2 أكتوبر 1963، وهي صحفية فلبينية أمريكية، وأول صحفية تحصد جائزة نوبل للسلام، بالمشاركة مع الصحفي الروسي ديمتري موراتوف، وذلك على مدى تاريخ الجائزة الممتد منذ نحو 130 عاما.

ووصف الموقع الإلكتروني لـ"نوبل" ماريا ريسا عقب حصولها على الجائزة بأنها "تستخدم حرية التعبير لفضح إساءة استخدام السلطة، واستخدام العنف، وتنامي الاستبداد في بلدها الأم الفلبين.. هي مدافعة شجاعة عن حرية التعبير".

وريسا مراسلة استقصائية ورئيسية لشبكة "سي إن إن" في جنوب شرق آسيا، وتخصصت في التحقيقات بالشبكات الإرهابية، وأصبحت كاتبة مقيمة في المركز الدولي لأبحاث العنف السياسي والإرهاب (ICPVTR) التابع لجامعة "نانيانج" التكنولوجية في سنغافورة.

وعينت ريسا في بداية مسيرتها المهنية بالمحطة الحكومية الفلبينية، ثم شاركت في تأسيس شركة الإنتاج المستقلة "بروب" Probe في عام 1987، وشغلت في الوقت نفسه منصب مديرة مكتب "سي إن إن" في مانيلا حتى عام 1995، ثم أدارت مكتب "سي إن إن" في إندونيسيا بين عامي 1995 و2005.

وبحلول عام 2004، ترأست ريسا قسم الأخبار في شبكة ABS-CBN الفلبينية، وكانت تكتب بالتوازي لشبكة "سي إن إن" وصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكيتين.

التهديد بالقتل والاختطاف

ووقعت ماريا ريسا لسنوات طويلة تحت وطأة التهديد بالقتل والاختطاف من قبل تلك الشبكات الإرهابية، لكنها ردت على ذلك بعبارتها الشهيرة التي قالت فيها: "نحن صحفيون، لن نخاف، وسنشعل الضوء، وسنبقى على الخطى".

ونشرت ماريا ريسا كتابين يتعلقان بظهور الإرهاب في جنوب شرقي آسيا، هما: "بذور الإرهاب.. رواية شاهد عيان لمركز القاعدة الجديد" في عام 2003، وكتاب "من بن لادن إلى فيسبوك.. 10 أيام من الاختطاف، 10 سنوات من الإرهاب" في عام 2013.

وباتت ريسا رمزًا عالميًا لمقاومة تدخل الدولة في وسائل الإعلام، إذ تُعرف نفسها على حسابها في موقع "إكس" بأنها "صحفية وكاتبة، تحب الكمال، تشكيكية، براجماتية، والرئيس التنفيذي لموقع رابلر الإلكتروني (أصبح من أوائل المواقع الإخبارية في الفلبين، وحصل على العديد من الجوائز المحلية والدولية).

وأنشأت ماريا ريسا مع 3 شريكات وفريق صغير من 12 صحفياً وتقنياً، موقع الأخبار الإلكتروني "رابلر" والذي يغطي سياسات وإجراءات نظام الرئيس رودريجو دوتيرتي في الفلبين، خصوصاً "حملته القاتلة والمثيرة للجدل لمكافحة المخدرات، وكيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أخبار مزيفة ومضايقة المعارضين والتلاعب بالخطاب العام".

في عام 2015، أجرت ريسا مقابلة مع المرشح الرئاسي آنذاك رودريجو دوتيرتي، الذي اعترف بقتل ثلاثة أشخاص كرئيس لبلدية مدينة دافاو جنوب الفلبين، وأصبح دوتيرتي رئيسًا في العام التالي وأطلق العنان لـ"حرب دموية على المخدرات".

وفي الأثناء لم تتوان ريسا في فضح الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان التي وقعت دون عقاب في ظل حكومة دوتيرتي، إذ نشرت في عام 2016 سلسلة من ثلاثة أجزاء توضح بالتفصيل تسليح الإنترنت بهدف إسكات منتقدي دوتيرتي.

واجهت العديد من التحديات

ولم تنعم ريسا بحياة هادئة فقد واجهت العديد من التحديات كطبيعة كتاباتها الصاخبة، حيث سعت الحكومة الفلبينية لإسكات صوتها وقصف قلمها، من خلال توجيه الاتهامات لها ولموقعها "رابلر" بالتهرب الضريبي والملكية الأجنبية غير القانونية، والتشهير الإلكتروني، وذلك بموجب قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الفلبيني المثير للجدل، وهي الخطوة التي أثارت انتقادات حقوقية دولية واسعة باعتبارها "هجوماً على حرية الصحافة".

وقالت ماريا ردا على ذلك "إن الذين يقولون الحقيقة للسلطة غالبًا ما يجدون أنفسهم مستهدفين"، لا سيما عقب اتهام السلطات الفلبينية لموقعها بترويج الأكاذيب ومنع مراسليه من دخول القصر الرئاسي، ووصف ريسا بـ"المحتالة".

وفي عام 2018، مُنع موقع "رابلر" من تغطية الأحداث الرئاسية الرسمية، إذ قال ناطق باسم الرئاسة آنذاك إن رودريغو دوتيرتي رئيس الفلبين "فقد الثقة في هذه المنصة الإعلامية"، وفي العام الذي يليه اعتُقلت ريسا بتهمة التشهير الإلكتروني، بسبب اتهامات بأن "رابلر" نشر قصة إخبارية كاذبة بشأن رجل الأعمال الفليبيني ويلفريدو كنغ.

واعتبرت منظمات حقوقية دولية أن إدانة ريسا بالتشهير الإلكتروني دليلًا قويًا على تراجع حرية وسائل الإعلام في الفلبين في ظل حكومة دوتيرتي، وكذلك اضطهاد الصحفيين المعارضين وحرمان الملايين من المعلومات الحيوية.

ورغم محاولات الحصار والتقييد، أدرجت ماريا ريسا في تصنيف صحيفة "تايمز" لشخصية عام 2018، كواحدة من مجموعة صحفيين من جميع أنحاء العالم الذين تصدروا المشهد الإعلامي العالمي لمكافحة الأخبار المزيفة، كما أنها تعد واحدة من 25 شخصية بارزة في هيئة المعلومات والديمقراطية التي أطلقتها منظمة "مراسلون بلا حدود".

وقالت ماريا ريسا خلال خطابها في حفل توزيع جوائز عام 2018: "أنتم لا تعرفون حقًا من أنتم حتى تضطروا للقتال للدفاع عن ذلك.. لقد قررنا في (رابلر) أنه عندما ننظر إلى الوراء في هذه اللحظة بعد عقد من الآن، سنفعل كل ما في وسعنا: لم نهرب، لم نختبئ.. اسمي ماريا ريسا. نحن رابلر، وسنبقى على الخطى".

وفي عام 2020، اختيرت ريسا كواحدة من 25 عضواً في "مجلس مراقبة المحتوى الحقيقي على فيسبوك"، وهي مجموعة مراقبة مستقلة، إذ تعد رائدة في الاستخدام المكثف للوسائط المتعددة وفي الشراكة مع فيسبوك كمدقق حقائق للمحتوى المحلي في حملة ضد المعلومات المضللة. 

الفيلم الوثائقي "ألف جرح"

وكانت صراعات ريسا مع الحكومة الفلبينية موضوع فيلمها الوثائقي "ألف جرح" في عام 2020، وعقب ذلك بعامين نشرت كتابا بعنوان "كيف نقف في وجه الدكتاتور: النضال من أجل مستقبلنا"، وهو مذكرات وبيان يزعم أن شركات وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا في الصعود التدريجي للديمقراطية.

وصنفت ريسا بأنها من أشد المنتقدين للرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي وحربه القاتلة على المخدرات التي انطلقت في عام 2016، والتي فتحت الباب أمام ما يقول دعاة حرية الصحافة إنه "سلسلة من التهم الجنائية والتحقيقات والهجمات عبر الإنترنت ضدها وضد وسائل الإعلام".

ولم تكن جائزة نوبل هي الوحيدة التي حصلت عليها ماريا ريسا بل تكلل كفاحها ضد الإفلات من العقاب في الفلبين ودعوتها للدفاع عن الصحافة وسط بيئة شديدة الحصار والقمع، قد دفعها للحصول على العديد من الجوائز، إذ حصلت في عام 2017 على جائزة الديمقراطية من المعهد الديمقراطي الوطني.

وكانت شخصية العام لمجلة تايم عام 2018، كواحدة من عدة صحفيين "الحراس" في الحرب على الحقيقة، لتكون بذلك ثاني فلبينية تحصل على هذا اللقب بعد الرئيس السابق كوري أكينو في عام 1986، وقالت مجلة التايم إن ريسا "صحفية تعمل في خضم عاصفة خارقة بين أكثر قوتين هائلتين في عالم المعلومات: وسائل التواصل الاجتماعي ورئيس شعبوي ذي ميول استبدادية".

جائزة نايت والقلم الذهبي

وفي العام نفسه حصلت ماريا على جائزة نايت للصحافة الدولية، وقالت في خطابها أثناء تسلم الجائزة: "نحن نحارب الإفلات من العقاب من جانب الحكومة الفلبينية ومن فيسبوك. كلاهما يزرعان العنف والخوف والأكاذيب التي تسمم ديمقراطيتنا".

وحصلت على جائزة القلم الذهبي للحرية التي قدمها الاتحاد العالمي للصحف وناشري الأخبار في عام 2018، ومنحت لجنة حماية الصحفيين ريسا جائزة "جوين إيفيل" لحرية الصحافة، تقديرًا لشجاعتها الصحفية في مواجهة المضايقات الرسمية المستمرة.

وفي عام 2019، أدرجتها مجلة التايمز ضمن قائمة الشخصيات الـ100 الأكثر تأثيرًا في العالم، كما فازت في العام نفسه بجائزة كولومبيا للصحافة من كلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا، وحصلت على إشادة وتكريم من مؤسسة الصحافة الكندية، وأدرجتها "بي بي سي" ضمن قائمة أكثر 100 امرأة مؤثرة بالعالم.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية